
حميد القصري يُطلق شرارة “تاكناويت” في افتتاح مهرجان كناوة بالصويرة
هبة بريس من الصويرة
بأنامله الذهبية وصوته المتجذر في تربة “تاكناويت”، أشعل المايسترو حميد القصري أولى سهرات الدورة الـ26 من مهرجان “كناوة وموسيقى العالم” بمدينة الصويرة، في عرض موسيقي ناري تمازجت فيه أنغام “الهجهوج” بحناجر إفريقية ورقصات تضرب جذورها في العمق القارّي.
القصري، وكعادته، لم يكتفِ بالوفاء لروح كناوة، بل ذهب أبعد، حيث خلق حوارًا موسيقيًا حيًّا مع فرقة “باكالاما” السنغالية، التي تأسست سنة 1972 في داكار، وكانت بداياتها أشبه بطفل يتعثر في رقصاته، قبل أن تصبح في ظرف وجيز من كبار السفراء الفنيين لثقافة “الديولا”.
“باكالاما” جاءت من أرض التيرانغا محمّلة بإيقاعات “السبار” و”الجمبي” و”السوروبا”، رقصات لا تحتاج إلى ترجمة، لأن الجسد هو المترجم الفوري الوحيد الذي يفهمها الجميع، من الصويرة حتى كيب تاون!
وفي مشهد موسيقي أقرب إلى عناق الروح للروح، صعدت إلى الركح الفنانة السنغالية “كيا لوم”، صاحبة الحنجرة المتعددة اللهجات والمزاجات. غنت تارة بنعومة تهدهد الحواس، وتارة بخشونة توقظ النائمين في الصفوف الخلفية، وكانت كلماتها تحكي عن الحب، الهوية، والانتماء بلغة “الولوف” والفرنسية والإنجليزية، وكأنها تقول لنا: “أنا من هنا وهناك، لكن صوتي لا يحتاج جواز سفر”.
وبما أن المغرب لا يكتمل بدون لمسة أنثوية من عبق الأندلس، التحقت المطربة المغربية عبير العابد بهذا اللقاء الموسيقي الفريد، حيث نسجت بخيوط صوتها جسراً بين كناوة والطرب الأندلسي، لتُظهر أن الموسيقى المغربية قادرة على المزج بين الروح الإفريقية وسحر الحضارة الأندلسية، دون أن تفقد هويتها أو تتلعثم نغمتها.
وفي كلمة مؤثرة قبل بداية العرض، صرحت منتجة المهرجان، نائلة التازي، أن مهرجان كناوة لم يكن مجرد موعد فني سنوي، بل تحوّل إلى مشروع ثقافي واجتماعي حيّ، يحمل رسالة الانفتاح على العالم دون نسيان الجذور. وأضافت بابتسامة يعرفها كل من تابع المهرجان على مدى ربع قرن: “نحن لا نحتفل فقط بالموسيقى، بل نحتفل بالروح التي تجمع بين الشعوب”.
التازي أوضحت أن الدورة السادسة والعشرين تأتي تتويجًا لمسار طويل من العمل، والتفاني في إبراز التراث الكناوي كإرث حيّ لا يعيش في المتاحف، بل يرقص في الأزقة، ويتنفس في المسارح، ويغني في القلوب.
وسيمتد المهرجان لثلاثة أيام من المتعة، لا تقتصر فقط على السهرات الموسيقية، بل تشمل أيضًا منتدى حقوق الإنسان، الذي سيجمع نخبة من المفكرين، المؤرخين، والأنثربولوجيين، في محاولة لإعادة التفكير في هذا العالم الذي يبدو أحيانًا أنه فقد الإيقاع… وربما يحتاج إلى “هجهوج” القصري ليضبطه!
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X