
هل استنسخت المنصوري مشروع بنعبد الله للسكن الموجه للكراء؟
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
على مر السنوات، ظل قطاع الإسكان في المغرب يواجه تحديات كبيرة، في مقدمتها ارتفاع أسعار العقارات وندرة العروض المناسبة للفئات المتوسطة والشباب، في سياق هذا الواقع، أعلنت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان عن إطلاق طلب عروض دولي يتعلق بإعداد دراسة تقنية ومالية لبرنامج السكن الإيجاري المتوسط، الذي يهدف إلى توفير سكن موجه للكراء بإيجارات مضبوطة، وسط مدن تتسم بضغط عمراني واقتصادي متزايد مثل الدار البيضاء والرباط وطنجة، لكن ما يثير التساؤل هو ما إذا كان هذا المشروع هو مجرد استنساخ لمشروع مشابه كان قد طرحه الوزير السابق نبيل بنعبد الله قبل أكثر من عقد من الزمن، في فترة حكومة بنكيران.
– مشروع بنعبد الله: بداية الفكرة
في عام 2012، وبالتحديد خلال الولاية الأولى لحكومة عبد الإله بنكيران، قدم وزير السكنى والسياسة المدينة، نبيل بنعبد الله، مشروعًا يقضي بإحداث قانون للسكن الموجه للكراء، كان الهدف حينها توفير وحدات سكنية موجهة للطبقات المتوسطة، على أن تكون الإيجارات مناسبة، في إطار جهد حكومي لتحفيز المنعشين العقاريين على الاستثمار في هذا النوع من السكن.
المشروع تضمن حوافز ضريبية، وضمانات قانونية تسهل العلاقة بين المالك والمستأجر، وكان بمثابة تجربة جديدة تهدف إلى إحداث نوع من التوازن بين الرغبة في التملك والطلب المتزايد على الإيجار.
ورغم الإعلانات الرسمية، فإن المشروع لم يجد تجاوبًا من المنعشين العقاريين، الذين اعتبروا أن المردودية التجارية للإيجار أقل جاذبية مقارنة مع الاستثمارات الأخرى في السكن الاجتماعي أو الاقتصادي، ورغم إقرار الحكومة آنذاك بتعديل السومة الكرائية وتحفيزات إضافية، إلا أن المشروع اصطدم بعدم وجود ثقافة قوية للكراء في المغرب، حيث تفضل غالبية الأسر التملك بدلاً من الإيجار.
– المشروع الحالي: استمرار للمسعى أم استنساخ؟
اليوم، وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن، يجدنا أمام إعلان جديد عن إطلاق برنامج السكن الإيجاري المتوسط، الذي يعكس بدوره رغبة الحكومة في تقديم حلول سكنية للفئات المتوسطة. ومع تشابه الأهداف والتوجهات بين المشروعين، تبرز بعض التساؤلات حول ما إذا كان المشروع الجديد هو مجرد استنساخ للمشروع الذي تقدم به بنعبد الله قبل سنوات، أم أن هناك إضافة حقيقية على مستوى التنفيذ والتوجهات السياسية.
في سياق المشروع الحالي، يتم الحديث عن توفير سكن موجه للكراء في المدن الكبرى، مع التركيز على إيجارات مضبوطة تتراوح بين كلفة السوق الحرة والسكن الاجتماعي، وهو ما يتماشى مع الفكرة التي طرحها بنعبد الله في البداية. إلا أن هذه المرة، يظهر أن هناك وعيًا أكبر بحاجة لخلق مناخ قانوني وتنظيمي يضمن نجاح هذا المشروع.
– مقارنة بين المشروعين: ما الجديد؟
من خلال مقارنة بين المشروعين، نجد أن الفكرة الأساسية ما زالت كما هي: توفير سكن موجه للكراء للأسر ذات الدخل المتوسط، والذي من شأنه تخفيف الضغط على سوق التملك. لكن مع مرور الوقت، يبدو أن المنهجية التي يتبعها المشروع الحالي تتضمن تحسينات على مستوى عدة جوانب:
– الدراسة التقنية والمالية:
تم الإعلان عن تخصيص 3.5 مليون درهم لدراسة جدوى المشروع، وهو ما يظهر رغبة في تفصيل أكثر دقة للمشروع من الناحية الفنية، وهو ما لم يتحقق في عهد بنعبد الله.
تحفيز الاستثمار الخاص:
المشروع الجديد يبدو أنه يعتمد على إشراك أكبر للقطاع الخاص، مع ضمانات قانونية وتشريعية أكبر، ما يعكس محاولة لتجاوز الإشكالات التي كانت قائمة في السابق. لكن يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى استعداد المنعشين العقاريين للانخراط الفعلي في هذا المشروع.
– - التحديات الاقتصادية:
بينما كان مشروع بنعبد الله يواجه تحديات تتعلق بالثقافة المغربية التي تفضل التملك، يبدو أن المشروع الحالي يراهن على الجوانب الاقتصادية الأكثر مرونة، مثل إمكانية التدرج من الإيجار إلى التملك عبر برامج كالادخار الإيجاري. لكن تبقى إمكانية تفعيل هذا النموذج مرهونة بكيفية تطوير الشروط القانونية والتمويلية.
– هل هو استنساخ؟
في النهاية، يمكن القول إن المشروع الحالي يعكس تطورًا وتراكمًا لما بدأه مشروع بنعبد الله، لكنه ليس مجرد استنساخ. بل إن هذه المرة هناك إدراك أكبر للتحديات الاقتصادية والقانونية التي قد تواجهه، مع محاولات لتحسين الشروط الجاذبة للاستثمار الخاص، لكن النجاح يبقى مرهونًا بعوامل عدة، منها تفعيل قوانين الإيجار المنظم وتوفير الشروط المحفزة للقطاع الخاص والمستثمرين العقاريين.
ورغم أن المشروعين يتقاطعان في الهدف الأساسي، فإن تنفيذ المشروع الحالي يتطلب تجاوز العقبات التي حالت دون نجاح سابقه، وهو ما قد يجعل من السكن الموجه للكراء أحد الحلول الممكنة للأزمة السكنية في المغرب بشرط وجود إرادة سياسية قوية لتفعيل هذا النوع من البرامج.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X