3 أسواق كبرى بالدار البيضاء بين التحديث والتهميش

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

تشهد مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، تحولات عمرانية وتجارية عميقة، على رأسها خطة مجلس المدينة لإعادة تهيئة وتوطين أشهر أسواقها التاريخية. درب غلف، درب عمر، وأسواق سيدي عثمان، عناوين اقتصادية واجتماعية تشكل العمود الفقري لحركية التجارة والاستهلاك في المدينة، تجد نفسها اليوم أمام مفترق طرق بين إعادة التأهيل الحضري وبين خطر الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي لآلاف المهنيين والزبائن.

– درب غلف: إصلاح يثير الأسئلة حول المصير

يُعد سوق درب غلف أكثر من مجرد فضاء تجاري، فهو معلم ثقافي وتجاري يعكس دينامية المجتمع البيضاوي. تصريحات العمدة نبيلة ارميلي بشأن تصميم تهيئة جديد لهذا السوق المقام على أرض في ملكية الخواص، تفتح الباب أمام تساؤلات عدة: هل ستتم عملية التهيئة بما يراعي طابع السوق الشعبي أم أن المصالح العقارية ستفرض منطقها على حساب التقاليد التجارية؟ المجلس الجماعي يسعى لحيازة العقار قصد “تثمينه”، وهي عبارة تحمل أبعاداً غامضة بين التحديث العمراني وتحويل السوق إلى فضاء تجاري راقٍ لا يعكس هويته الشعبية الأصلية.

– درب عمر: نقل لوجستي أم تفريغ اقتصادي؟

أما سوق درب عمر، القلب النابض لتجارة الجملة في المغرب، فيواجه خطة إعادة هيكلة قائمة على فصل العرض عن التخزين، عبر نقل المخازن إلى مديونة وتحويل المحلات إلى “معارض” فقط. هذه الخطوة، رغم وجاهتها من حيث تخفيف الضغط على وسط المدينة وتحسين التنقل (خاصة مع مرور الطرامواي)، تثير مخاوف حقيقية من تفكيك النسيج التجاري المحلي وتعقيد سلاسل التوزيع بالنسبة للتجار والمستهلكين على حد سواء.

– سيدي عثمان: بين “كازابلانكا تك فالي” و”مارشي كريو”

الجدل الأكبر تحتدم فصوله في سيدي عثمان، حيث بدأت بوادر ترحيل كبرى أسواق الجملة، منها سوق السمك والمجازر البلدية و”مارشي كريو”، نحو ضواحي الدار البيضاء، خاصة منطقة حد السوالم. الهدف هو إخلاء المجال أمام مشروع “كازابلانكا تك فالي” الذي تسوقه السلطات كمشروع مستقبلي ضخم لتحويل المدينة إلى قطب تكنولوجي. لكن ما يُنظر إليه كقفزة نحو الحداثة من طرف المسؤولين، يراه المهنيون والتجار تهديداً مباشراً لعيشهم ووجودهم المهني، في ظل غياب ضمانات حقيقية لإدماجهم في الصيغة الجديدة لهذه الفضاءات.

– تحوّل محفوف بالمخاطر

من منظور استراتيجي، لا أحد ينكر أهمية إعادة تأهيل الفضاءات التجارية الكبرى في الدار البيضاء، سواء من حيث التنظيم، الأمن، أو مواكبة التحول العمراني والتكنولوجي. لكن الخطورة تكمن في غياب إشراك فعلي للمهنيين والتجار في صياغة هذه التحولات، ما يهدد بتحويل إصلاحات ضرورية إلى صدمات اقتصادية واجتماعية تمس الفئات الأكثر هشاشة، وتفرغ المدينة من روحها التجارية الشعبية.

وتبقى العاصمة الاقتصادية “الدار البيضاء ” تسير نحو تحول حضري وتجاري عميق، لكن الطريقة التي يُدار بها هذا التحول ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت المدينة ستنجح في خلق توازن بين التحديث والحفاظ على نسيجها الاجتماعي والتجاري المتجذر، أو أنها ستسقط في فخ “التجميل المعماري” على حساب هوية واقتصادها الشعبي، إنه سباق بين الزمن، المصالح، والذاكرة… والنتيجة لم تُحسم بعد.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى