
صراع الأجنحة يتصاعد.. تغييرات أمنية جديدة تفضح انهيار الأجهزة الأمنية الجزائرية
هبة بريس
تشهد الأجهزة الأمنية في الجزائر منذ سنوات اضطراباً متواصلاً يعكس فشلاً بنيوياً في بنية النظام وعجزاً صارخاً عن تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار المؤسساتي.
صراع داخل دواليب الحكم العسكري
هذا الانهيار المتسارع بلغ ذروته مؤخراً، حيث تحولت التغييرات المتكررة في المناصب العليا الأمنية إلى مشهد مألوف يكشف حجم الصراع الخفي داخل دواليب الحكم، خصوصاً بين أجنحة الرئاسة والمؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات المتناحرة.
فبعد الإطاحة بقائد الدرك ومدير المخابرات الداخلية، جاء الدور هذه المرة على مدير الأمن الجزائري، علي بداوي، الذي لم يعمر في منصبه سوى 16 شهراً.
اسمه كان قد ظهر في تسريبات سبقت الإعلان الرسمي، وهو ما أصبح سلوكاً نمطياً في نظام يفتقر للشفافية، حيث باتت الإشاعات أكثر مصداقية من البلاغات الرسمية.
وتؤكد هذه الفوضى أن قرارات التعيين والعزل تتم في كواليس مغلقة يهيمن عليها التوتر، كما حدث حين أُقصي الجنرال ناصر الجن لصالح الجنرال حسان في المديرية العامة للأمن الداخلي، في خطوة غامضة جرت في غياب أي تغطية إعلامية حقيقية، ولم يصدر عنها سوى بيان مقتضب من وزارة الدفاع، في مشهد يشي بتشقق خطير في بنية السلطة.
غياب الرؤية الاستراتيجية
منذ وصوله إلى الرئاسة، عيّن عبد المجيد تبون أربعة مدراء على رأس جهاز الأمن، في مؤشر واضح على غياب الرؤية الاستراتيجية لدى صانع القرار الأمني.
قرارات الإقالة لا تُبنى على معايير مهنية، بل تحكمها تصفية الحسابات الداخلية ومناورات لضمان الولاء داخل الهرم السلطوي، خاصة مع تصاعد نفوذ رئيس الأركان سعيد شنقريحة.
شنقريحة، الذي يسعى لتكريس نفسه كامتداد لنهج قايد صالح، يعمل على تطهير الجيش من أي معارضة محتملة. غير أن هذه السياسة العدوانية لم تؤدِ سوى إلى خلق مناخ من الذعر داخل المؤسسة العسكرية، حيث أصبح كبار الضباط مشغولين بالحفاظ على رقابهم أكثر من أداء واجبهم.
الإصلاح الذي أطلقه قايد صالح لتفكيك “دائرة الاستعلام والأمن” تحول على يد خلفه إلى فوضى عارمة.
شنقريحة لم ينجح في ترميم الجهاز، بل ساهم في تعميق الفجوة بين مكوناته. فمنذ أبريل 2020 إلى مايو 2025، تم تسجيل أكثر من 15 عملية إقالة في صفوف قادة الاستخبارات، بمعدل عزل واحد كل أربعة أشهر، ما يؤكد استمرار الأزمة البنيوية.
عمليات تطهير
التغييرات لم تقتصر على الأجهزة الاستخباراتية، بل طالت القيادة المركزية والجهوية للجيش، في سياق عمليات “تطهير” أضعفت المؤسسات بدل تقويتها.
مراقبون يرون أن تبون وشنقريحة يتخبطان في قرارات ارتجالية تعمّق الأزمة. موجة الإقالات المستمرة قوّضت صورة الدولة، ورسّخت شعوراً عاماً بانعدام الاستقرار.
ما يجري في الجزائر لم يعد مجرد سلسلة من التغييرات الإدارية، بل يعكس انهياراً حقيقياً في مبدأ استمرارية الدولة.
الأجهزة الأمنية، التي يُفترض أن تمثل دعامة الاستقرار، تحولت إلى ساحة صراع بين مراكز القوى، فيما بقي الإعلام الرسمي مجرد أداة ترويجية لسلطة مأزومة ومنفصلة تماماً عن الواقع.
اليوم، لم تعد مقولة “الدولة العميقة” تعبّر عن هيكل صلب كما يُراد لها، بل صارت مرادفاً لكيان هش، يتغذى على الأزمات وينهار تحت وطأة الفوضى والارتجال. أما في محيطه الإقليمي، فقد فشل النظام العسكري في بناء علاقات متوازنة، وظل أسير خطاب عدائي تجاه المغرب.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X