مصالحة وهبي مع المحامين.. هل اعتذار متأخر أم بداية لمرحلة جديدة؟

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

بعد شهور من الشدّ والجذب، ومن مواجهة محتدمة بين وزير العدل عبد اللطيف وهبي وهيئات المحامين، جاءت كلمته في افتتاح المؤتمر الوطني العام 32 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، بطنجة، لتقلب الصفحة أو تحاول ذلك، عبر خطاب تميّز بنبرة تصالحية، اعتذارية، وأحياناً عاطفية. لكن هل تكفي لغة الاعتذار لردم هوة الثقة التي تصدعت بين الطرفين؟ وهل يمكن قراءة هذه المصالحة كتحول سياسي في نهج الوزير، أم أنها مناورة ظرفية فرضتها حسابات مهنية وانتخابية؟.

– الاعتذار…تراجع تكتيكي أم مراجعة ذاتية؟

الاعتذار الصريح الذي قدمه وهبي للمحامين: “إذا أخطأت في حقكم يوماً، فأنا أعتذر”، لم يكن مجرد تعبير عاطفي، بل يعكس وعياً متأخراً بثمن التصعيد غير المحسوب الذي أدّى إلى توتر علاقة الوزارة مع مكون أساسي في منظومة العدالة، فقد أفرزت أسابيع الإضراب التي خاضها المحامون، احتجاجاً على مشروع قانون المهنة والضرائب الجديدة، شللاً جزئياً في المحاكم، مما أحرج وزارة العدل أمام الرأي العام وأمام شركائها في الإصلاح القضائي.

الاعتذار إذن، يمكن فهمه كتراجع تكتيكي يرمي إلى تهدئة الجبهة الداخلية واستعادة قنوات التواصل، لا سيما في ظل إدراك الوزير أن لا إصلاح للعدالة ممكن بدون انخراط واسع للمحامين، لا باعتبارهم فقط فاعلين مهنيين، بل شركاء في التشريع والتنفيذ.

من خطاب الصدام إلى لغة “العائلة”

تحوّل نبرة وهبي من التشكيك في نوايا المحامين إلى الحديث عن “العائلة” و”الانتماء المهني” ليس تفصيلاً لغويًا، بل تعبير عن تحوّل في الخطاب السياسي ذاته، فالوزير، الذي سبق أن اعتبر نفسه “محامياً فاشلاً” في تصريح أثار سخرية وامتعاض زملائه، عاد ليؤكد في طنجة: “أنا منكم ومن عائلتكم، والمحامي ديمومة والسياسة مرحلة”.

هنا تظهر محاولة لإعادة بناء الجسور مع الجسم المهني، من خلال التذكير بالانتماء المشترك، وكأن وهبي يعلن انسلاخه من قبعة الوزير السياسي ليرتدي مجدداً عباءة المحامي المتفهم لانشغالات المهنة وتحدياتها.

– حسابات السياسة والمرحلة المقبلة

من غير الممكن قراءة هذا التحول دون الإشارة إلى السياق السياسي الأوسع، فوهبي، كأمين عام سابق لحزب الأصالة والمعاصرة ووزير في حكومة يقودها الاحرار مع حلفاءه ( الجرار والميزان ) ، يوجد تحت ضغط مزدوج،فمن جهة إخفاقات وتحديات إصلاح العدالة، ومن جهة ثانية تآكل رصيده داخل الشارع المهني والسياسي.

مؤتمر طنجة كان فرصة لإعادة التموضع، خاصة وأن الحقل المهني يشهد حركية تنظيمية وانتخابات مرتقبة داخل الهيئات، فالخطاب الهادئ والمعتذر يمكن أن يُفهم في هذا الإطار كمحاولة لكسب ودّ الجسم المهني مجددًا، بعدما وصلت العلاقات إلى نقطة حرجة كادت تعصف بأي توافق ممكن.

– هل تغير شيء فعلاً؟

رغم وقع الاعتذار وحرارة التصفيق الذي تخلل مداخلة الوزير، فإن المصالحة الحقيقية تظل مرهونة بالفعل أكثر من القول، فالمحامون، وهم من أكثر الفئات تمرساً في تحليل الخطاب وفكّ شفراته، يعلمون أن التحديات الكبرى التي أشار إليها وهبي في كلمته، وعلى رأسها قانون المهنة، لا تزال مفتوحة على احتمالات التأزيم أو الانفراج، تبعاً لما إذا كان الوزير مستعداً لإشراكهم فعلياً في الصياغة والتقرير، لا الاكتفاء بالإشعار والتبرير.

لا شك أن خطاب طنجة مثّل نقطة تحوّل في علاقة وهبي بالمحامين، لكن نجاح المصالحة يقتضي أن تتحول الأقوال إلى مسارات تشاورية حقيقية، تُفضي إلى قوانين منصفة، وتشريعات عادلة، ومقاربة تشاركية تحترم استقلالية المهنة. فالاعتذار، مهما كان صادقاً، لا يكفي وحده لترميم شرخ عميق صنعته قرارات أحادية، ونزعة تسلطية في التعامل مع مؤسسة لها تاريخها وقيمها.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى