
“سوق المطلقات” بموريتانيا.. نساء يحتفلن بالنهاية ويروّجن لبدايات جديدة
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
في موريتانيا، البلد الذي يحتل المرتبة الأولى عربياً في نسب الطلاق، تأخذ الظاهرة أبعاداً فريدة تتجاوز الحزن والانكسار، لتصل أحياناً حد الاحتفال بـ”الحرية المستعادة”.
ففي “سوق المطلقات” الشهير وسط العاصمة نواكشوط، حيث تتقاطع حكايات النساء بين البيع والبدء من جديد، تتحول تبعات الطلاق من وصمة إلى فرصة، ومن عبء إلى بداية مشروع حياة جديدة.
– “الطلاق ليس نهاية.. بل فرصة أخرى”
فاطمة منت عبد الجليل، (35 سنة، من مدينة روصو) تطلقت بعد عشر سنوات من الزواج، وتقول بثقة:”حين عدت إلى بيت أهلي، أحضرت معي أثاث البيت وبعته في السوق، ثم بدأت تجارة بسيطة بالأواني. اليوم، لدي دكان صغير، ولم أعد أرى الطلاق فشلاً كما كنت أظن. نحن نعتبر الزواج رزق، فإن ذهب فلا يعني أن الحياة انتهت”.
هذه النظرة المتفائلة للطلاق ليست نادرة في المجتمع الموريتاني، بخلاف الكثير من المجتمعات العربية، تنظر بعض الأسر الموريتانية للمرأة المطلقة على أنها “متاحة للزواج من جديد”، لا كمصدر للعار أو الفشل.
– “نحتفل بالحرية”
مريم منت السالم (28 سنة، من أطار) تصف يوم طلاقها بـ”الفرح الحقيقي”، قائلة:”بعد عامين من زواج متعب، شعرت بأن الطلاق ولادة جديدة، في المساء، جمعت صديقاتي واحتفلنا، بعد أن أحضرت حلوى وطلبت ‘الزغاريد’، بعضهن اندهشن، لكنني كنت سعيدة لأني لم أعد مضطرة للتظاهر بأنني بخير”.
– “العريس يفضّل المطلقة!”
بينما يُعد الطلاق في دول كثيرة سبباً في عزوف الرجال عن المرأة، إلا أن زينب منت كيده (42 سنة، من نواذيبو) ترى عكس ذلك قالت : “أنا تطلقت مرتين، وتقدم لي رجال بعد كل مرة، في موريتانيا، المطلقة أكثر جاذبية للبعض، لأنهم يرونها أكثر نضجاً وأقل تطلباً. لدي الآن ثلاثة أطفال، ولا أشعر بأي عقدة”.
يؤكد هذا الانطباع الباحث الاجتماعي الحسين بديدي، الذي يوضح أن “سهولة الإقدام على الطلاق في موريتانيا تأتي من تقبل اجتماعي كبير له، بل أحياناً يُنظر إليه كحق طبيعي لا يمسّ بسمعة المرأة”.
– “سوق المطلقات”.. ذاكرة مشتركة ونقطة انطلاق
في سوق الرحمة، المعروف شعبياً بـ”سوق المطلقات”، تباع تجهيزات الزواج المنتهية، من أثاث وصحون وأفرشة وملابس.
أم الخير منت محم، وهي مطلقة تعمل في السوق منذ خمس سنوات، تؤكد: “جئت في البداية لأبيع فراشي، واليوم أنا تاجرة ثابتة، السوق ليس فقط لبيع الذكريات، بل لشراء المستقبل”.
وتضيف:”بعض النساء يبعن كل شيء وكأنهن يردن التخلص من الماضي دفعة واحدة. أنا منهن. شعرت أن كل شيء ربطني به يجب أن يذهب”.
– قلق اجتماعي رغم التقبل
لكن هذا “القبول المجتمعي” لا يمنع القلق من ظاهرة تتجاوز نسبها 31% من حالات الزواج، وفق الإحصائيات الرسمية.
الطلاق قد لا يكون وصمة في موريتانيا، لكنه لا يخلو من تداعيات، خصوصاً على الأطفال، حيث تشير تقارير تربوية إلى ارتباط الطلاق بازدياد نسب التشرد والانحراف الدراسي لدى القُصّر.
في المقابل، تبرز أصوات نسائية تطالب بالتركيز على “التوعية قبل الزواج” و”إعداد الفتيات نفسياً ومادياً” حتى لا يكنّ مجرد ضحايا متكررات لدورة زواج وطلاق متسلسلة.
– بين الأسى والبداية
الطلاق في موريتانيا ظاهرة معقدة ومليئة بالتناقضات، هو بداية لقسم من النساء، ونهاية مؤلمة لأخريات.
لكن الواضح أن المرأة الموريتانية، بتحديها وظروفها، تحاول أن تكتب قصتها بنفسها، إن لم تنجح في الزواج، فهي على الأقل تحاول أن تنجح في الحياة.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X