توقف خط القطار بين الجزائر وتونس يثير الشكوك حول خلافات صامتة بين البلدين

هبة بريس

أعلنت السلطات مؤخرًا عن توقيف مؤقت لحركة القطار الرابط بين الجزائر العاصمة وتونس العاصمة، عبر الخط الحدودي المعروف، الذي يُعد منذ عقود من أبرز المسارات البرية التي دعمت التبادل السياحي والتجاري بين البلدين.

تهالك في البنية التحتية

ورغم أن التبرير الرسمي أرجع التعليق إلى “أسباب تقنية ولوجستية ظرفية”، إلا أن هذا التفسير لم يقنع كثيرًا من المراقبين، الذين اعتبروا أن الخلفيات الحقيقية لقرار التوقيف قد تكون أعمق، خصوصًا وأن الخط عاد إلى الخدمة في صيف 2022 بعد توقف طويل فرضته جائحة كوفيد-19.

وبحسب مصدر من داخل الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية في الجزائر، فإن أشغال الصيانة والتحديث الجارية على مستوى الخط الحدودي تفرض هذا التوقيف، مع تأكيد وجود تنسيق مستمر مع الجانب التونسي لاستئناف التشغيل في أقرب الآجال الممكنة.

ولكن في المقابل، يرى عدد من المراقبين أن هذا المسار يعاني منذ سنوات من تهالك في بنيته التحتية، ونقص في الخدمات اللوجستية، ما يجعل استمرارية الحركة عليه صعبة، خاصة في ظل تزايد الطلب خلال فصل الصيف.

وفيما تعتبر الجهات الرسمية أن التعليق مؤقت تقنيًا، يربط بعض المحللين القرار بالسياق السياسي والإقليمي الحالي، متوقفين عند عدد من الملفات الخلافية التي تطبع العلاقات بين الجزائر وتونس، من بينها اختلاف مواقف البلدين إزاء بعض القضايا الإقليمية، إلى جانب تنافس غير معلن على استقطاب الاستثمارات القادمة من دول الخليج.

قطاع السياحة بتونس تحت رحمة الجزائر

ويرى هؤلاء المحللون أن توقف خط القطار يعكس بشكل أو بآخر هشاشة التنسيق المغاربي، وغياب إرادة مشتركة لتفعيل مشاريع الربط الاستراتيجي في المنطقة. فقد ظل هذا القطار لعقود رمزًا للتقارب الشعبي بين الضفتين الجزائرية والتونسية، وواجهة حية لفكرة الوحدة المغاربية.

ويمثل هذا التوقف ضربة غير مرحب بها للقطاع السياحي، بالتزامن مع اقتراب موسم العطل الصيفية. إذ يُقبل عدد كبير من الجزائريين على السفر عبر هذا الخط نحو المدن الساحلية التونسية، في حين يستغله التونسيون للتنقل إلى الجزائر لأغراض متعددة، سواء كانت تجارية أو عائلية.

وفي هذا السياق، عبّر أحد الفاعلين في القطاع السياحي التونسي عن قلقه من التداعيات المحتملة، موضحًا أن القطار يوفر خيارًا اقتصاديًا للعائلات متوسطة الدخل، وأن توقفه قد يؤدي إلى تراجع تدفق السياح الجزائريين الذين يشكلون أحد أبرز مصادر الزوار في تونس سنويًا.

غياب إرادة سياسية قوية

ورغم هذه التخوفات، أكدت مصادر رسمية في البلدين أن قرار التعليق لا يُعد دائمًا، وأن الفرق التقنية تواصل أعمال التهيئة والصيانة، في انتظار استئناف الرحلات خلال الأسابيع المقبلة.

ولكن متابعين يرون أن عودة التشغيل وحدها لا تكفي، ما لم تقترن بإرادة سياسية قوية لتطوير الخط وتوسيعه ضمن رؤية تنموية أشمل، تنقل التعاون من مجرد تبادل محدود إلى تكامل اقتصادي وتنقلي قادر على بث الروح في مشروع الاتحاد المغاربي المعطل.

وفي ظل تعليق هذا الخط الحيوي، تطرح من جديد تساؤلات حول مصير مشاريع الاندماج المغاربي، وواقع العراقيل المتشابكة، التقنية والسياسية، التي تعيق حتى أبسط صيغ الربط بين الشعوب. لتبقى آمال تحويل النقل البري إلى أداة وحدة فعلية، مؤجلة إلى حين تغير سياسات حكام قصر المرادية بالمنطقة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى